أرني أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني؟
سؤال يردده الكثيرين
وللرد عليه
هذا ما قاله المسيح:
"فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يوحنا 8: 25) سنبدأ
حديثنا في هذا الكتاب – كما هو متوقع- بما قاله المسيح عن نفسه وسنركز
حديثنا في هذا الفصل على ما قاله المسيح بفمه الكريم وسجله لنا البشير
يوحنا – أحد تلاميذ المسيح الأوائل- في البشارة المعنونة باسمه والمعروف
لدارسي الكتاب أن إنجيل يوحنا يحدثنا في المقام الأول عن لاهوت المسيح،
ولذلك فإن كل عباراته محملة بالمعاني المجيدة الأكيدة على أن المسيح هو
الله الذي ظهر في الجسد.
وسنسرد فيما يلي بعضاً من أقوال المسيح بحسب أهميتها ووضوح دلالتها من جهة ما نتحدث عنه الآن.
1. قال المسيح أنه الأزلي، والواجب الوجود
فلقد قال المسيح لليهود: "الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يوحنا 8: 58)
خلفية هذا الإعلان العظيم أن المسيح كان قد قال أن الذي يؤمن به لن يرى
الموت إلى الأبد، فاعترض السامعون من اليهود على هذا الكلام وقالوا له:
"ألعلك أعظم من أبينا إبراهيم الذي مات؟ والأنبياء ماتوا. من تجعل نفسك؟"
فقال لهم: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح". سألوه: "ليس لك
خمسون سنة بعد أفرأيت إبراهيم؟" (يوحنا 8: 57) ونحن نعرف أن إبراهيم أتى
قبل المسيح بنحو ألفي عام، لكن لاحظ – عزيزي القارئ - أن المسيح لم يقل
أنه هو الذي رأى إبراهيم، بل قال إن إبراهيم هو الذي تهلل بأن يرى يومه
فرأى وفرح، وهنا جاء الإعلان العظيم الذي وقع كالصاعقة على هؤلاء الأشرار
غير المؤمنين إذ قال لهم المسيح أنه "كائن" قبل إبراهيم! هل تعرف معنى هذه
العبارة أيها القارئ العزيز؟ دعني قبل أن أذكر لك معناها أذكرك بما قاله
يوحنا المعمدان عن المسيح:"إن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي"
(يوحنا 1: 15)
ومعروف أن يوحنا ولد قبل المسيح بنحو ستة أشهر وهذا معنى قول المعمدان:
"الذي يأتي بعدي"، لكن المعمدان يقول عن هذا الشخص: "صار قدامي، لأنه كان
قبلي"، فكيف يمكننا فهم أن المسيح الذي ولد بعد يوحنا المعمدان بنحو ستة
أشهر كان قبل يوحنا إن لم نضع في الاعتبار لاهوت المسيح؟ والآن ما الذي
يعنيه قول المسيح: "أنا كائن قبل إبراهيم"؟ إن المسيح لا يقول لليهود:
"قبل أن يكون إبراهيم أنا كنت"، بل لاحظ عظمة قول المسيح: "قبل أن يكون
إبراهيم أنا كائن"، إنها كينونة لا علاقة لها بالزمن كينونة دائمة!
إن عبارة: "أنا كائن" تعادل تماماً القول "أنا الله" أو "أنا الرب" أو
"أنا يهوه" الذي هو اسم الجلالة بحسب التوراة العبرية، فهذا التعبير "أنا
كائن" هو بحسب الأصل اليوناني الذي كتب به العهد الجديد "إجو إيمي" وتعني
الواجب الوجود والدائم، الأزلي والأبدي، فمن يكون ذاك سوى "الله".
عندما ظهر الرب لموسى في العليقة كى يُرسله إلى بني إسرائيل وقدم موسى
العديد من الاعتراضات كان أحد تلك الاعتراضات: "فقال موسى لله: ها أنا آتى
إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم، فإذا قالوا لي ما
اسمه فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى: أهيه الذي أهيه. وقال هكذا تقول
لبني إسرائيل: "اهيه" أرسلني إليكم" (خروج 3: 13، 14).
وعندما ترجم العهد القديم إلى اللغة اليونانية، وهي تلك الترجمة المعروفة
باسم الترجمة السبعينية، فقد ترجم اسم الجلالة "أهيه" إلى "إجو إيمي"، نفس
الكلمة التي استخدمها المسيح مع اليهود عندما قال لهم "أنا كائن". وعبارة
أنا كائن مشتقة من الفعل "أكون" والذي منه جاء اسم الجلالة يهوه، ولقد
تكررت هذه العبارة "إجو إيمي" عن المسيح في إنجيل يوحنا 21 مرة (3 × 7)
كان المسيح يرى في نفسه بحسب ما أعلن عن ذاته أنه هو ذات الله القديم الذي
ظهر لموسى في العليقة في جبل حوريب والذي أرسل موسى ليخرج بني إسرائيل من
أرض مصر.
ومن ضمن مرات استخدام المسيح لهذا الاسم عن نفسه، ما قاله المسيح في هذا
الأصحاح عينه لليهود: "إن لم تؤمنوا أني أنا هو "إجو إيمي" تموتون في
خطاياكم" (يوحنا 8: 24) ومرة أخرى لما تحدث مع تلاميذه عن خيانة يهوذا
الاسخريوطي قبل حدوثها فقال: "أقول لكم الآن قبل أن يكون (أي قبل أن تتم
الأحداث) حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو "إجو إيمي" (أي أنا الله علام
الغيوب) (يوحنا 13: 19).
وفي حادثة إلقاء القبض على المسيح في البستان عندما سأل المسيح الذين أتوا
للقبض عليه: من تطلبون؟ قالوا له: يسوع الناصري. فقال لهم يسوع: "أنا هو"
"إجو إيمي".
ويعلق البشير على ذلك بالقول أنهم رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض
(يوحنا 18: 4 – 6) فهم لم يقدروا أن يقفوا أمام مجد شخصه! إن هذا الإعلان
الذي ذكره المسيح في يوحنا 8: 58 يعتبر أعظم الأدلة والبراهين على لاهوت
المسيح بحيث لو لم يكن لدينا في كل الكتاب سوى هذا الإعلان لكان يكفي، لكن
لدينا العديد من البراهين كما سنرى الآن. ولقد فهم اليهود جيداً ماذا كان
المسيح يقصد من هذه الأقوال ولم يكن ممكناً التجاوب مع ذلك الإعلان العظيم
إلا بأسلوب من اثنين: أما أن ينحنوا أمامه بالسجود باعتباره الله، أو أن
يعتبروه مجدفاً. وللأسف لقد اختاروا الأسلوب الثاني المدمر لهم! ويذكر
البشير أن اليهود "رفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل
مجتازاً في وسطهم ومضى هكذا"، مما يدل على أنهم فهموا ما كان يعنيه المسيح
تماماً، أنه هو الله. يا للعار فلقد أعطاهم المسيح فرصة في أول الفصل أن
يرجموا المرأة الزانية بشرط أن يكون الشخص الذي سيرجمها بلا خطية أي لم
يقع في الفعل ذاته فلم يستطيعوا وخرجوا هاربين من ضيائه ولكنهم الآن
انحنوا لا ليسجدوا له بل انحنوا يلتقطون الحجارة لا ليرجموا بها الزانية
ولا حتى لكي يرجموا موسى كما حاول آباؤهم الأشرار بل ليرجموا ذاك الذي ظهر
لموسى وقال له "أنا أهيه" "إجو إيمي"
2. فلقد قال لليهود: "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يوحنا 5: 23).
في حديث الرب مع اليهود بعد شفائه للرجل المقعد في بيت حسدا يوحنا 5 قال
المسيح عبارة فهم اليهود منها أنه يعادل نفسه بالله. والمسيح في الحديث
الذي تلا ذلك لم يحاول تبرئة نفسه من هذه التهمة وذلك لأنه فعلاً "الله
(الذي) ظهر في الجسد" (1 تيموثاوس 3: 16) بل أكد ذلك المفهوم بصور متعددة،
فقد أوضح (في ع 22) أنه يعمل ذات الأعمال الإلهية من ثم يخطو خطوة أبعد في
الآية موضوع دراستنا، فيقول إن له ذات الكرامة الإلهية وواضح أن الأولى
(الأعمال الإلهية) لا يقوى عليها مخلوق وأن الثانية (الكرامة الإلهية)
ليست من حق مخلوق فلقد ختم المسيح تلك القائمة من الأعمال الإلهية التي
يمارسها بالقول إن الأب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن،
ويوضح السبب لذلك فيقول: "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب".
والآن أرجو عزيزي القارئ أن تلاحظ هذين الأمرين اللذين لا يجب أن يمرا
بدون تعليق من الكاتب، ودون انتباه من القارئ، الأمر الأول: أن الجميع
سيكرمون الابن وليس فريق من الناس دون غيرهم
والأمر الثاني: أنهم سيكرمون الابن كما يكرمون الأب، وليس بمستوى أقل أو بأسلوب أضعف.
هذه الآية إذاً توضح بأسلوب قاطع وصريح أن الابن له ذات الكرامة والمجد اللذين للأب ويستحيل أن يكون هذا مع أي مخلوق أياً كان.
لقد قال الله في العهد القديم: "مجدي لا أعطيه لآخر" (أشعياء 42: ،
والله طبعاً لم يتراجع عن ذلك عندما أعلن المسيح أن الاب يريد إكرام الابن
بذات الكرامة التي للأب وذلك لأن الأب والابن واحد (يوحنا 10: 30).
ونلاحظ أن المسيح في هذه الآية – كعادة إنجيل يوحنا دائماً – بعد أن ذكر
هذا الحق إيجابياً، عاد وأكده في صيغة سلبية فقال: "من لا يكرم الابن لا
يكرم الآب". يقول البعض أنهم يكرمون الله ويسجدون له ولكنهم لا يقبلون
فكرة إكرام المسيح بذات مستوى إكرامهم لله، بل وربما تتضمن نظرتهم للمسيح
شيئاً من الاحتقار لشخصه، ولكن كلمات المسيح هنا قاطعة: "إن من لا يكرم
الابن لا يكرم الأب". الله لم يدع ذلك الأمر حسب مزاج الإنسان، أن يكرم
المسيح أو لا يكرمه، ولو أنه ترك له أسلوب إكرامه للابن. وعندما يقول
المسيح إن "الجميع" سيكرمون الابن، فقد كان يعني المؤمنين وغير المؤمنين
على السواء فالله لم يدع ذلك الأمر حسب مزاج الإنسان، أن يكرم المسيح أو
لا يكرمه، ولو أنه ترك له أسلوب إكرامه للابن، فجميع البشر سوف يكرمون
الابن بطريقة أو بأخرى، إما بإيمانهم به الآن أو بدينونته لهم فيما بعد،
والمسيح إما أن يحيي أو يدين ومن يؤمن به ينال الحياة الأبدية .
يتبع
3- قال المسيح إنه ابن الله الوحيد:
فلقد قال لنيقوديموس أيضًا:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن
به بل تكون له الحياة الأبدية. لأن لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين
العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين
لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد» (يوحنا3: 16).
يقول البعض – بجهل أو بخبث - إن الكتاب المقدس عندما يقول إن المسيح هو
ابن الله، فهو في ذلك نظير الكثيرين من الخلائق الذين دعوا ”أبناء الله“،
مثل الملائكة (أيوب 1: 6؛ 2: 1)، أو مثل آدم (لوقا3: 38)، أو مثل المؤمنين
(غلاطية 3: 26). لكن الحقيقة أن الفارق بين الأمرين واسع وكبير.
إن الملائكة، وكذلك آدم، اعتبروا أبناء الله باعتبارهم مخلوقين منه بالخلق
المباشر. وأما المسيح فهو ليس مخلوقًا بل هو الخالق (يوحنا1: 3؛ كولوسي 1:
16). ثم إن المؤمنين هم أبناء لله بالإيمان وبالنعمة (يوحنا1: 12؛
1يوحنا3: 1)، أما المسيح فهو الابن الأزلي. وسوف نعود لهذا الأمر في الفصل
التالي عند حديثنا عن المسيح ابن الله.
على أن الآية التي نتحدث عنها هنا قاطعة الدلالة، فهي تقول عن المسيح إنه
”ابن الله الوحيد“ (ارجع أيضًا إلى يوحنا1: 14و 18؛ 3: 18؛ يوحنا الأولى
4: 9). وعندما يقول إنه ابن الله الوحيد، فهذا معناه أنه ليس له شبيه ولا
نظير. ولقد كرر المسيح الفكر عينه في أحد أمثاله الشهيرة ، حيث ذكر المسيح
أن الإنسان صاحب الكرم (الذي يرمز في المثل إلى الله) أرسل عبيدًا كثيرين
إلى الكرامين ليأخذوا ثمر الكرم، لكن الكرامين أهانوا العبيد وأرسلوهم
فارغين، لكنه أخيرًا أرسل إليهم ابنه. يقول المسيح: «إذ كان له أيضًا ابن
واحد حبيب إليه، أرسله أيضًا إليهم أخيرًا قائلاً إنهم يهابون ابني» (مرقس
12: 6). وواضح أن العبيد الكثيرين هم الأنبياء، وأما الابن الوحيد الذي
أرسله إليهم أخيرًا فهو الرب يسوع المسيح.
ويوضِّح كاتب رسالة العبرانيين هذا الأمر عندما يقول: «الله بعدما كلم
الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة
في ابنه, الذي به أيضًا عمل العالمين. الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره
وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته» (عبرانيين 1: 1-3).
ونلاحظ أن المسيح لما كان هنا على الأرض لم يستخدم عن الله سوى تعبير
”الآب“ أو ”أبي“، ولم يستعمل تعبير ”أبانا“ قط، وذلك لأن هناك فارقًا
كبيرًا بين بنوته هو لله وبنوتنا نحن. وبعد قيامته له المجد من الأموات
قال لمريم المجدلية: «إني أصعد إلى أبي وأبيكم» (يوحنا20: 17). لقد صرنا
نحن أبناء الله بالنعمة، وأما هو فالابن من الأزل.
صحيح هو كان قد سبق وقال عن نفسه لنيقوديموس إنه ابن الإنسان (ع14)، والآن
يقول إنه ابن الله الوحيد (ع16)، وفي الحالتين استخدم التعبير ذاته: ”يؤمن
به“، وذلك لأننا نؤمن بالطبيعتين اللاهوتية والناسوتية في المسيح، فهو
”ابن الله الوحيد“، وهو أيضًا ”ابن الإنسان“، هو الله وهو الإنسان في آن.
والإيمان به ينجي من الهلاك الأبدي ويمتع بالحياة الأبدية.
ثم تفكر في هذا المجد: فيقول المسيح لنيقوديموس: ”لكي لا يهلك كل من يؤمن“
بالابن الوحيد، أي شخصه المعبود، بل تكون له الحياة الأبدية“. وأيضًا:
”الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله
الوحيد“ (يوحنا3: 18). إنه هو إذًا سر الحياة الأبدية، وهو السبب للدينونة
الأبدية، أ فليس لهذا من معنى يا أولي الألباب؟
4- قال المسيح: ”أنا والآب واحد“:
فلقد قال المسيح لليهود:
«قلت لكم ولستم تؤمنون, لأنكم لستم من خرافي, خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها
فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد, أبي الذي أعطاني
إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد»
(يوحنا10: 25-30).
هذه الآيات تتحدث عن أن المسيح هو مصدر الحياة الأبدية لمن يؤمن به،
باعتباره المحيي. كما تتحدث أيضًا عن قدرة المسيح باعتباره ”الراعي
العظيم“ على حفظ الخراف، بحيث أنه أكد أنه لا يقدر كائن أن يخطف أحد خرافه
من يده. هنا نجد قدرة المسيح كالحافظ، وهي قدرة مطلقة. وفي أثناء الحديث
عن تلك القدرة الفائقة، أعلن هذا الإعلان العظيم: «أنا والآب واحد».
هنا نجد المسيح للمرة الثالثة - بحسب إنجيل يوحنا - يعلن صراحة للجموع
لاهوته وأزليته ومعادلته للآب. كانت المرة الأولى في يوحنا5: 17، والثانية
في يوحنا8: 58، وهنا نجد المرة الثالثة، وفي هذه المرات الثلاث حاول
اليهود رجمه، لأنهم فهموا تمامًا ما كان المسيح يقصده من كلامه.
في المرة الأولى في يوحنا 5: 17 تحدث المسيح عن معادلته للآب في
الأقنومية، عندما قال لليهود: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل»؛ وفي المرة
الثانية في يوحنا 8: 58 تحدث عن أزليته، عندما قال: «قبل أن يكون إبراهيم
أنا كائن» وهنا في المرة الثالثة تحدث المسيح عن وحدته مع الآب في الجوهر.
يدَّعي بعض المبتدعين أن الوحدة هنا هي وحدة في الغرض، بمعنى أن غرض
المسيح هو بعينه غرض الله. لكن واضح من قرينة الآية أن الوحدة بين الابن
والآب هي أكثر بكثير من مجرد الوحدة في الغرض، وإن كانت طبعًا تشملها. كان
المسيح يتحدث عن عظمة الآب لا عن غرضه. فيقول: «أبي الذي أعطاني إياها هو
أعظم من الكل», ثم يستطرد قائلاً: «أنا والآب واحد». فالوحدة المقصودة هنا
هي وحدة في الجوهر. وهذا التعليم مقرر بوضوح في كل إنجيل يوحنا.
واليهود الذين كان المسيح يوجه كلامه إليهم فهموا تمامًا كلام المسيح،
بدليل عزمهم على رجمه باعتباره مجدفًا. أن تلك الحجارة التي رفعها أولئك
الآثمون تصرخ. نعم إنها تصرخ في وجه من ينكر أن المسيح قال إنه الله.
فلماذا - لو كان المسيح يقصد أي شيء آخر – أراد اليهود رجمه؟!
سؤال يردده الكثيرين
وللرد عليه
هذا ما قاله المسيح:
"فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يوحنا 8: 25) سنبدأ
حديثنا في هذا الكتاب – كما هو متوقع- بما قاله المسيح عن نفسه وسنركز
حديثنا في هذا الفصل على ما قاله المسيح بفمه الكريم وسجله لنا البشير
يوحنا – أحد تلاميذ المسيح الأوائل- في البشارة المعنونة باسمه والمعروف
لدارسي الكتاب أن إنجيل يوحنا يحدثنا في المقام الأول عن لاهوت المسيح،
ولذلك فإن كل عباراته محملة بالمعاني المجيدة الأكيدة على أن المسيح هو
الله الذي ظهر في الجسد.
وسنسرد فيما يلي بعضاً من أقوال المسيح بحسب أهميتها ووضوح دلالتها من جهة ما نتحدث عنه الآن.
1. قال المسيح أنه الأزلي، والواجب الوجود
فلقد قال المسيح لليهود: "الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يوحنا 8: 58)
خلفية هذا الإعلان العظيم أن المسيح كان قد قال أن الذي يؤمن به لن يرى
الموت إلى الأبد، فاعترض السامعون من اليهود على هذا الكلام وقالوا له:
"ألعلك أعظم من أبينا إبراهيم الذي مات؟ والأنبياء ماتوا. من تجعل نفسك؟"
فقال لهم: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح". سألوه: "ليس لك
خمسون سنة بعد أفرأيت إبراهيم؟" (يوحنا 8: 57) ونحن نعرف أن إبراهيم أتى
قبل المسيح بنحو ألفي عام، لكن لاحظ – عزيزي القارئ - أن المسيح لم يقل
أنه هو الذي رأى إبراهيم، بل قال إن إبراهيم هو الذي تهلل بأن يرى يومه
فرأى وفرح، وهنا جاء الإعلان العظيم الذي وقع كالصاعقة على هؤلاء الأشرار
غير المؤمنين إذ قال لهم المسيح أنه "كائن" قبل إبراهيم! هل تعرف معنى هذه
العبارة أيها القارئ العزيز؟ دعني قبل أن أذكر لك معناها أذكرك بما قاله
يوحنا المعمدان عن المسيح:"إن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي"
(يوحنا 1: 15)
ومعروف أن يوحنا ولد قبل المسيح بنحو ستة أشهر وهذا معنى قول المعمدان:
"الذي يأتي بعدي"، لكن المعمدان يقول عن هذا الشخص: "صار قدامي، لأنه كان
قبلي"، فكيف يمكننا فهم أن المسيح الذي ولد بعد يوحنا المعمدان بنحو ستة
أشهر كان قبل يوحنا إن لم نضع في الاعتبار لاهوت المسيح؟ والآن ما الذي
يعنيه قول المسيح: "أنا كائن قبل إبراهيم"؟ إن المسيح لا يقول لليهود:
"قبل أن يكون إبراهيم أنا كنت"، بل لاحظ عظمة قول المسيح: "قبل أن يكون
إبراهيم أنا كائن"، إنها كينونة لا علاقة لها بالزمن كينونة دائمة!
إن عبارة: "أنا كائن" تعادل تماماً القول "أنا الله" أو "أنا الرب" أو
"أنا يهوه" الذي هو اسم الجلالة بحسب التوراة العبرية، فهذا التعبير "أنا
كائن" هو بحسب الأصل اليوناني الذي كتب به العهد الجديد "إجو إيمي" وتعني
الواجب الوجود والدائم، الأزلي والأبدي، فمن يكون ذاك سوى "الله".
عندما ظهر الرب لموسى في العليقة كى يُرسله إلى بني إسرائيل وقدم موسى
العديد من الاعتراضات كان أحد تلك الاعتراضات: "فقال موسى لله: ها أنا آتى
إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم، فإذا قالوا لي ما
اسمه فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى: أهيه الذي أهيه. وقال هكذا تقول
لبني إسرائيل: "اهيه" أرسلني إليكم" (خروج 3: 13، 14).
وعندما ترجم العهد القديم إلى اللغة اليونانية، وهي تلك الترجمة المعروفة
باسم الترجمة السبعينية، فقد ترجم اسم الجلالة "أهيه" إلى "إجو إيمي"، نفس
الكلمة التي استخدمها المسيح مع اليهود عندما قال لهم "أنا كائن". وعبارة
أنا كائن مشتقة من الفعل "أكون" والذي منه جاء اسم الجلالة يهوه، ولقد
تكررت هذه العبارة "إجو إيمي" عن المسيح في إنجيل يوحنا 21 مرة (3 × 7)
كان المسيح يرى في نفسه بحسب ما أعلن عن ذاته أنه هو ذات الله القديم الذي
ظهر لموسى في العليقة في جبل حوريب والذي أرسل موسى ليخرج بني إسرائيل من
أرض مصر.
ومن ضمن مرات استخدام المسيح لهذا الاسم عن نفسه، ما قاله المسيح في هذا
الأصحاح عينه لليهود: "إن لم تؤمنوا أني أنا هو "إجو إيمي" تموتون في
خطاياكم" (يوحنا 8: 24) ومرة أخرى لما تحدث مع تلاميذه عن خيانة يهوذا
الاسخريوطي قبل حدوثها فقال: "أقول لكم الآن قبل أن يكون (أي قبل أن تتم
الأحداث) حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو "إجو إيمي" (أي أنا الله علام
الغيوب) (يوحنا 13: 19).
وفي حادثة إلقاء القبض على المسيح في البستان عندما سأل المسيح الذين أتوا
للقبض عليه: من تطلبون؟ قالوا له: يسوع الناصري. فقال لهم يسوع: "أنا هو"
"إجو إيمي".
ويعلق البشير على ذلك بالقول أنهم رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض
(يوحنا 18: 4 – 6) فهم لم يقدروا أن يقفوا أمام مجد شخصه! إن هذا الإعلان
الذي ذكره المسيح في يوحنا 8: 58 يعتبر أعظم الأدلة والبراهين على لاهوت
المسيح بحيث لو لم يكن لدينا في كل الكتاب سوى هذا الإعلان لكان يكفي، لكن
لدينا العديد من البراهين كما سنرى الآن. ولقد فهم اليهود جيداً ماذا كان
المسيح يقصد من هذه الأقوال ولم يكن ممكناً التجاوب مع ذلك الإعلان العظيم
إلا بأسلوب من اثنين: أما أن ينحنوا أمامه بالسجود باعتباره الله، أو أن
يعتبروه مجدفاً. وللأسف لقد اختاروا الأسلوب الثاني المدمر لهم! ويذكر
البشير أن اليهود "رفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل
مجتازاً في وسطهم ومضى هكذا"، مما يدل على أنهم فهموا ما كان يعنيه المسيح
تماماً، أنه هو الله. يا للعار فلقد أعطاهم المسيح فرصة في أول الفصل أن
يرجموا المرأة الزانية بشرط أن يكون الشخص الذي سيرجمها بلا خطية أي لم
يقع في الفعل ذاته فلم يستطيعوا وخرجوا هاربين من ضيائه ولكنهم الآن
انحنوا لا ليسجدوا له بل انحنوا يلتقطون الحجارة لا ليرجموا بها الزانية
ولا حتى لكي يرجموا موسى كما حاول آباؤهم الأشرار بل ليرجموا ذاك الذي ظهر
لموسى وقال له "أنا أهيه" "إجو إيمي"
2. فلقد قال لليهود: "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يوحنا 5: 23).
في حديث الرب مع اليهود بعد شفائه للرجل المقعد في بيت حسدا يوحنا 5 قال
المسيح عبارة فهم اليهود منها أنه يعادل نفسه بالله. والمسيح في الحديث
الذي تلا ذلك لم يحاول تبرئة نفسه من هذه التهمة وذلك لأنه فعلاً "الله
(الذي) ظهر في الجسد" (1 تيموثاوس 3: 16) بل أكد ذلك المفهوم بصور متعددة،
فقد أوضح (في ع 22) أنه يعمل ذات الأعمال الإلهية من ثم يخطو خطوة أبعد في
الآية موضوع دراستنا، فيقول إن له ذات الكرامة الإلهية وواضح أن الأولى
(الأعمال الإلهية) لا يقوى عليها مخلوق وأن الثانية (الكرامة الإلهية)
ليست من حق مخلوق فلقد ختم المسيح تلك القائمة من الأعمال الإلهية التي
يمارسها بالقول إن الأب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن،
ويوضح السبب لذلك فيقول: "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب".
والآن أرجو عزيزي القارئ أن تلاحظ هذين الأمرين اللذين لا يجب أن يمرا
بدون تعليق من الكاتب، ودون انتباه من القارئ، الأمر الأول: أن الجميع
سيكرمون الابن وليس فريق من الناس دون غيرهم
والأمر الثاني: أنهم سيكرمون الابن كما يكرمون الأب، وليس بمستوى أقل أو بأسلوب أضعف.
هذه الآية إذاً توضح بأسلوب قاطع وصريح أن الابن له ذات الكرامة والمجد اللذين للأب ويستحيل أن يكون هذا مع أي مخلوق أياً كان.
لقد قال الله في العهد القديم: "مجدي لا أعطيه لآخر" (أشعياء 42: ،
والله طبعاً لم يتراجع عن ذلك عندما أعلن المسيح أن الاب يريد إكرام الابن
بذات الكرامة التي للأب وذلك لأن الأب والابن واحد (يوحنا 10: 30).
ونلاحظ أن المسيح في هذه الآية – كعادة إنجيل يوحنا دائماً – بعد أن ذكر
هذا الحق إيجابياً، عاد وأكده في صيغة سلبية فقال: "من لا يكرم الابن لا
يكرم الآب". يقول البعض أنهم يكرمون الله ويسجدون له ولكنهم لا يقبلون
فكرة إكرام المسيح بذات مستوى إكرامهم لله، بل وربما تتضمن نظرتهم للمسيح
شيئاً من الاحتقار لشخصه، ولكن كلمات المسيح هنا قاطعة: "إن من لا يكرم
الابن لا يكرم الأب". الله لم يدع ذلك الأمر حسب مزاج الإنسان، أن يكرم
المسيح أو لا يكرمه، ولو أنه ترك له أسلوب إكرامه للابن. وعندما يقول
المسيح إن "الجميع" سيكرمون الابن، فقد كان يعني المؤمنين وغير المؤمنين
على السواء فالله لم يدع ذلك الأمر حسب مزاج الإنسان، أن يكرم المسيح أو
لا يكرمه، ولو أنه ترك له أسلوب إكرامه للابن، فجميع البشر سوف يكرمون
الابن بطريقة أو بأخرى، إما بإيمانهم به الآن أو بدينونته لهم فيما بعد،
والمسيح إما أن يحيي أو يدين ومن يؤمن به ينال الحياة الأبدية .
يتبع
3- قال المسيح إنه ابن الله الوحيد:
فلقد قال لنيقوديموس أيضًا:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن
به بل تكون له الحياة الأبدية. لأن لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين
العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين
لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد» (يوحنا3: 16).
يقول البعض – بجهل أو بخبث - إن الكتاب المقدس عندما يقول إن المسيح هو
ابن الله، فهو في ذلك نظير الكثيرين من الخلائق الذين دعوا ”أبناء الله“،
مثل الملائكة (أيوب 1: 6؛ 2: 1)، أو مثل آدم (لوقا3: 38)، أو مثل المؤمنين
(غلاطية 3: 26). لكن الحقيقة أن الفارق بين الأمرين واسع وكبير.
إن الملائكة، وكذلك آدم، اعتبروا أبناء الله باعتبارهم مخلوقين منه بالخلق
المباشر. وأما المسيح فهو ليس مخلوقًا بل هو الخالق (يوحنا1: 3؛ كولوسي 1:
16). ثم إن المؤمنين هم أبناء لله بالإيمان وبالنعمة (يوحنا1: 12؛
1يوحنا3: 1)، أما المسيح فهو الابن الأزلي. وسوف نعود لهذا الأمر في الفصل
التالي عند حديثنا عن المسيح ابن الله.
على أن الآية التي نتحدث عنها هنا قاطعة الدلالة، فهي تقول عن المسيح إنه
”ابن الله الوحيد“ (ارجع أيضًا إلى يوحنا1: 14و 18؛ 3: 18؛ يوحنا الأولى
4: 9). وعندما يقول إنه ابن الله الوحيد، فهذا معناه أنه ليس له شبيه ولا
نظير. ولقد كرر المسيح الفكر عينه في أحد أمثاله الشهيرة ، حيث ذكر المسيح
أن الإنسان صاحب الكرم (الذي يرمز في المثل إلى الله) أرسل عبيدًا كثيرين
إلى الكرامين ليأخذوا ثمر الكرم، لكن الكرامين أهانوا العبيد وأرسلوهم
فارغين، لكنه أخيرًا أرسل إليهم ابنه. يقول المسيح: «إذ كان له أيضًا ابن
واحد حبيب إليه، أرسله أيضًا إليهم أخيرًا قائلاً إنهم يهابون ابني» (مرقس
12: 6). وواضح أن العبيد الكثيرين هم الأنبياء، وأما الابن الوحيد الذي
أرسله إليهم أخيرًا فهو الرب يسوع المسيح.
ويوضِّح كاتب رسالة العبرانيين هذا الأمر عندما يقول: «الله بعدما كلم
الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة
في ابنه, الذي به أيضًا عمل العالمين. الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره
وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته» (عبرانيين 1: 1-3).
ونلاحظ أن المسيح لما كان هنا على الأرض لم يستخدم عن الله سوى تعبير
”الآب“ أو ”أبي“، ولم يستعمل تعبير ”أبانا“ قط، وذلك لأن هناك فارقًا
كبيرًا بين بنوته هو لله وبنوتنا نحن. وبعد قيامته له المجد من الأموات
قال لمريم المجدلية: «إني أصعد إلى أبي وأبيكم» (يوحنا20: 17). لقد صرنا
نحن أبناء الله بالنعمة، وأما هو فالابن من الأزل.
صحيح هو كان قد سبق وقال عن نفسه لنيقوديموس إنه ابن الإنسان (ع14)، والآن
يقول إنه ابن الله الوحيد (ع16)، وفي الحالتين استخدم التعبير ذاته: ”يؤمن
به“، وذلك لأننا نؤمن بالطبيعتين اللاهوتية والناسوتية في المسيح، فهو
”ابن الله الوحيد“، وهو أيضًا ”ابن الإنسان“، هو الله وهو الإنسان في آن.
والإيمان به ينجي من الهلاك الأبدي ويمتع بالحياة الأبدية.
ثم تفكر في هذا المجد: فيقول المسيح لنيقوديموس: ”لكي لا يهلك كل من يؤمن“
بالابن الوحيد، أي شخصه المعبود، بل تكون له الحياة الأبدية“. وأيضًا:
”الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله
الوحيد“ (يوحنا3: 18). إنه هو إذًا سر الحياة الأبدية، وهو السبب للدينونة
الأبدية، أ فليس لهذا من معنى يا أولي الألباب؟
4- قال المسيح: ”أنا والآب واحد“:
فلقد قال المسيح لليهود:
«قلت لكم ولستم تؤمنون, لأنكم لستم من خرافي, خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها
فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد, أبي الذي أعطاني
إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد»
(يوحنا10: 25-30).
هذه الآيات تتحدث عن أن المسيح هو مصدر الحياة الأبدية لمن يؤمن به،
باعتباره المحيي. كما تتحدث أيضًا عن قدرة المسيح باعتباره ”الراعي
العظيم“ على حفظ الخراف، بحيث أنه أكد أنه لا يقدر كائن أن يخطف أحد خرافه
من يده. هنا نجد قدرة المسيح كالحافظ، وهي قدرة مطلقة. وفي أثناء الحديث
عن تلك القدرة الفائقة، أعلن هذا الإعلان العظيم: «أنا والآب واحد».
هنا نجد المسيح للمرة الثالثة - بحسب إنجيل يوحنا - يعلن صراحة للجموع
لاهوته وأزليته ومعادلته للآب. كانت المرة الأولى في يوحنا5: 17، والثانية
في يوحنا8: 58، وهنا نجد المرة الثالثة، وفي هذه المرات الثلاث حاول
اليهود رجمه، لأنهم فهموا تمامًا ما كان المسيح يقصده من كلامه.
في المرة الأولى في يوحنا 5: 17 تحدث المسيح عن معادلته للآب في
الأقنومية، عندما قال لليهود: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل»؛ وفي المرة
الثانية في يوحنا 8: 58 تحدث عن أزليته، عندما قال: «قبل أن يكون إبراهيم
أنا كائن» وهنا في المرة الثالثة تحدث المسيح عن وحدته مع الآب في الجوهر.
يدَّعي بعض المبتدعين أن الوحدة هنا هي وحدة في الغرض، بمعنى أن غرض
المسيح هو بعينه غرض الله. لكن واضح من قرينة الآية أن الوحدة بين الابن
والآب هي أكثر بكثير من مجرد الوحدة في الغرض، وإن كانت طبعًا تشملها. كان
المسيح يتحدث عن عظمة الآب لا عن غرضه. فيقول: «أبي الذي أعطاني إياها هو
أعظم من الكل», ثم يستطرد قائلاً: «أنا والآب واحد». فالوحدة المقصودة هنا
هي وحدة في الجوهر. وهذا التعليم مقرر بوضوح في كل إنجيل يوحنا.
واليهود الذين كان المسيح يوجه كلامه إليهم فهموا تمامًا كلام المسيح،
بدليل عزمهم على رجمه باعتباره مجدفًا. أن تلك الحجارة التي رفعها أولئك
الآثمون تصرخ. نعم إنها تصرخ في وجه من ينكر أن المسيح قال إنه الله.
فلماذا - لو كان المسيح يقصد أي شيء آخر – أراد اليهود رجمه؟!