مقدمة لسفر أستير
سفر أستير هو آخر الأسفار التاريخية الـ 17 في العهد القديم. وهو يتضمن ما يقرب من 12 سنة من تاريخ اليهود الذين ظلوا في بلاد فارس بعد انقضاء مدة السبي التي امتدت 70 سنة. ومعظم هؤلاء اليهود كانوا قد ولدوا في السبي وبالتالي لم يكن لهم ولاء لأورشليم. وعلى الأرجح أنهم لم يدركوا الأهمية النبوية للجنس اليهودي.
يرجح أن أحداث سفر أستير وقعت بعد حوالي 40 سنة من إعادة بناء الهيكل وقبل إعادة بناء أسوار أورشليم بما يقرب من 30 سنة. ومن المرجح جدا أن تكون أستير هي التي مهدت الطريق لنحميا ليصبح ساقي الملك وأتاحت له الفرصة ليعيد بناء أسوار أورشليم ويتمم عمله في أورشليم.
وعلى الرغم من أن اسم الله لا يرد في هذا السفر وكذلك أيضا كلمة "صلاة"، إلا أن الهدف من هذا السفر هو بيان سلطة الله غير المنظور وقدرته المطلقة على التحكم في حكام هذا العالم وتنفيذ مقاصده. إن الله لديه دائما الشخص الصحيح في المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح - وحتى إذا فشل كل البشر في عمل إرادته، فإنه يقدر أن يتكلم من خلال حمار كما حدث مع بلعام (عدد 28:22-31)، أو إذا لزم الأمر فإنه يقدر أن يجعل الحجارة تصرخ (لوقا 40:19) كما قال يسوع لناقديه، وإذا احتاج إلى عون فإن لديه تحت أمره أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة (متى 53:26). ولكن الله اختار أن يتمم إرادته من خلال خدامه المختارين - أولئك الذين يعترفون باعتمادهم الكامل عليه.
إن أحداث هذا السفر لم تحدث بالصدفة، لأننا نجد أن الصوم - والذي يتضمن أيضا الصلاة - يمثل جزءا هاما في إتمام خطة الله من خلال عبديه مردخاي وأستير (أستير 3:4-4،16-17).
إن الصلاة القوية مثل تلك التي رفعها مردخاي، الذي صرخ صرخة عظيمة مرة (أستير 1:4-3)، كانت دائما مصحوبة بالصوم كوسيلة للاقتراب أكثر من الرب والابتعاد أكثر عن شهوات العالم (قارن متى 21:17؛ مرقس 29:9).
تبين لنا أسفار عزرا ونحميا وأستير أنه لا توجد أوضاع مستعصية وأن الله يستطيع أن يسيطر على عمل العدو ويحقق إرادته بكل تفاصيلها من خلال شبعه.
اقرأ أستير 1 -- 3
عندما انتصر الفرس على الملك بيلشاصر وعلى المملكة البابلية، أطلق النداء إلى جميع اليهود بأن يرجعوا إلى أورشليم. ولكن معظمهم كانوا قد عاشوا في بابل لمدة 50-70 سنة ولم يروا أورشليم بالمرة حيث أنهم كانوا أبناء الذين أخذوا إلى بابل كسبايا. ومع أنهم قد أصبحوا الآن أحرارا من السلطة البابلية، إلا أن معظمهم كانوا يفضلون البقاء في مناخ الرخاء والصداقة في المملكة الفارسية بدلا من مغادرة بابل وتحمل المشقات الموجودة في أورشليم.
في السنة الثالثة من ملكه، جمع الملك أحشويروش جميع قادة المقاطعات الرئيسيين لديه لكي يشرح لهم خطته في الاستيلاء على اليونان. وبعد ذلك صنع لهم وليمة، وأثناء هذا اللقاء حدث سوء تفاهم بينه وبين الملكة وشتي فاستشاط الملك غضبا وعزلها من أن تكون ملكة (أستير 9:1-21).
ومرت أربع سنوات ثم عاد إلى قصره في شوشن وأمر بالبحث عن أجمل الفتيات في مملكته (أستير 1:2-4).
فأُخذت أستير، وهي فتاة يهودية يتيمة، إلى قصر الملك مع أخريات لتصبح إما ملكة أو إحدى السراري للحاكم المتسلط. وهكذا وجدت أستير نفسها في وضع ليس لها يد فيه. فلم يكن أمامها هي وعمها مردخاي سوى أن يثقا في الرب ويصوما من أجل التوجيه والحماية. والذي زاد الأمر تعقيدا أن الرجل المكلف بتنفيذ أمر الملك كان رجلا جبارا وقاسيا اسمه هامان (أستير 10:3،15؛ 10:6؛ 9:7)، وهو من نسل الملك أجاج الذي كان صموئيل قد قتله. كان هامان عماليقيا وكان يبغض جميع اليهود (خروج 14:17،16؛ 1 صموئيل 33:15).
أنت أيضا ربما تجد نفسك فريسة للظروف التي لا يد لك فيها. ربما تشعر أنك مقيد في مكانك وتتمنى أن تكون في مكان آخر به حرية أكثر حتى تقدر أن "تعمل شيئا للرب". إن مسئوليتنا هي أن نكون أمناء لكلمته - مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح ، ومقدمين أجسادنا كذبيحة حية مرضية عند الله (2 كورنثوس 5:10؛ رومية 1:12-2). فلا تشك أبدا في أن الله متحكم في أمورك وهو يعرف تماما أين أنت ولماذا أنت هناك ومتى ينبغي أن تتحرك.
إننا كمسيحيين نعيش نحن أيضا تحت سلطان العالم غير المؤمن والذي لا يكف عن طلب المزيد والمزيد من وقتنا وولائنا. وكمسيحيين علينا أن نعطي ما لقيصر لقيصر ولكن يجب أيضا أن نعطي ما لله لله (لوقا 25:20). فلا ينبغي أن ننحني أمام أمثال هامان في هذا العالم الذين يريدون أن يجردونا من ولائنا للمسيح (رومية 1:13). فعلى الرغم من أن أستير ومردخاي كانا يعيشان تحت سلطان مادي وفارس فلقد استخدما كل الطرق الشرعية للدفاع عن مصالح شعب الله. وعندما تظل أمينا للرب، مهما كانت الظروف، فاعلم أن الله يسمع الصلاة ويستجيبها. فلا داعي لأن تشك في أنه قد ضاع منك الاختيار الأفضل الذي قصده الله لك.
الذي فيه أيضا نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (أفسس 11:1).
إعلان عن المسيح: من خلال اسم أستير الذي يعني "كوكب". يسوع أيضا يسمى كوكب الصبح المنير (رؤيا 16:22).
أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب لأنك لن تحتاج أن تخاف. ثق بالرب يوما فيوما (متى 33:6-34).
اقرأ أستير 4 -- 7
بعد خمس سنوات منذ أن أصبحت أستير ملكة، حصل هامان على ترقية وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه (أستير 16:2-17؛ 1:3-7). وقد كان هامان غاضبا لأن مردخاي رفض أن يسجد أمامه ويعظمه. فوضع خطة لقتل مردخاي وكذلك أيضا جميع اليهود في المملكة. وهكذا صدر قانون بالإبادة العرقية لليهود كما خطط لها هامان، وألقيت القرعة لتحديد أفضل الأيام لتنفيذ هذه المؤامرة (أستير 7:3-13).
وعندما علم مردخاي بأمر هذا القانون، شق ثيابه ولبس مسحا برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مرة ... وفي كل كورة ... كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب (1:4-3).
ومع أن القرار الذي يصدره ملك فارس لا يمكن الرجوع فيه، فإن مردخاي كان واثقا تماما أن الرب سيجعل مخرجا لإبطال أمر هامان بقتل جميع اليهود. ولم يكتف مردخاي بالصوم والصلاة ولكنه أرسل إلى أستير رسالة عاجلة، وأوصاها بأن تدخل إلى الملك (أستير 8:4). ولكن أستير خافت وذكرته بالقانون الفارسي الذي يقول أن كل من يقترب إلى الملك بدون دعوة يكون معرضا للموت. فالمخاطرة كانت حقيقية. والذي جعل موقف أستير أكثر تعقيدا هو أنها لم تدع للدخول إلى الملك طوال 30 يوما. فلو كان الملك قد فقد اهتمامه بأستير، فهل يوجد أمل في أن تؤثر عليه من جهة ما سيصيب الجنس اليهودي؟ ولكن أستير اقتنعت بأن المخاطرة أن تفقد وضعها المرموق كملكة مثلما حدث من قبل مع وشتي أقل أهمية من وقوفها ضد خطة هامان الشرير الذي كان يسعى لإبادة اليهود!
وقد طلبت أستير من مردخاي أن يجمع جميع اليهود الموجودين في المدينة ليصوموا من أجلها ثلاثة أيام، قائلة: فإذا هلكت هلكت (أستير 16:4). عندئذ وقفت أستير في الفناء الداخلي للقصر الملكي منتظرة هل سيكون مصيرها الحياة أو الموت من الملك الذي كان يحكم الإمبراطورية الفارسية. وإذ سلمت نفسها إلى مراحم الله، أعدت وليمة لهامان وللملك (أستير 4:5) بغرض كشف الخطة الشريرة التي وضعها هامان.
ورضي الملك عن أستير فقبل دعوتها وليس ذلك فقط وإنما عرض عليها حتى نصف مملكته (أستير 7:5). وكان في إمكان أستير أن تغتنم الفرصة وتفوز بالجائزة على اعتبار أنها أثمن بكثير من أن تخاطر بفقدانها إذا ذكرت طلبتها للملك. ولكن إنقاذ حياة شعبها كان بالنسبة لها أهم من أي شيء آخر.
وبينما كانت أستير تعد الوليمة، كان هامان يعد مشنقة بارتفاع 75 قدم حتى يشاهد الجميع عملية شنق مردخاي (أستير 14:5). ثم في اليوم التالي، سأل الملك أستير من جهة طلبتها، وكانت صدمته كبيرة عندما علم أن طلبتها تختص بإنقاذ حياتها من الموت: إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك أيها الملك، وإذا حسن عند الملك فلتعط لي نفسي بسؤلي وشعبي بطلبتي. لأننا قد بعنا أنا وشعبي للهلاك والقتل والإبادة (أستير 3:7-4)!
وهكذا أُخذ هامان في الحال ليُشنق على نفس المشنقة التي كان قد أعدها لمردخاي - والتي أقامها هامان على أرضه هو شخصيا (أستير 9:7).
إن مثال أستير في الشجاعة وفي استعدادها لأن تضحي بكل شيء - حتى بحياتها إذا لزم الأمر - يجب أن يكون حافزا لنا لنتنازل عن كل ما لدينا من مواهب وشهرة وثروة قد باركنا الرب بها حتى نستخدمها من أجل توصيل كلمة الله إلى العالم الهالك.
فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها [أي يخلص حياته الأسمى الروحية في ملكوت الله الأبدي] (مرقس 35:.
إعلان عن المسيح: من خلال التكريم الذي تلقاه مردخاي بينما كانوا يسيرون أمامه في شوارع المدينة (أستير 10:6-11). لقد تلقى يسوع تكريما عظيما عند دخوله منتصرا إلى أورشليم (متى 8:21-9).
أفكار من جهة الصلاة: تشفع في الصلاة من أجل الآخرين بأسمائهم (لوقا 31:22-32).
اقرأ أستير 8 -- 10
كان منجمو هامان قد ألقوا قرعة لتحديد أنسب الأيام لقتل جميع اليهود (أستير 24:9). وتحدد "يوم الحظ" لهامان في اليوم الثالث عشر من الشهر الأخير. غير أن هامان لم يدرك أن الله متحكم في أمور الأرض وأن القرعة تلقى في الحضن ومن الرب كل حكمها (أمثال 33:16)، فحتى الأحداث التي تبدو صدفة هي مرتبة من عنده.
ومرة أخرى ثبت، كما هو دائما، أن تطرف الإنسان هو فرصة لله. فاليوم المحدد للإعدام، والذي عرف باسم "الفوريم" (نسبة إلى "الفور" أو القرعة)، أصبح في الواقع هو يوم النجاة. ويأتي الفوريم في اليوم الـ 14 والـ 15 من شهر آذار، وهو الشهر السابق لعيد الفصح. فأصبح اليوم الـ 13 يوم صوم تذكارا لأستير. يليه بعد ذلك احتفال عظيم. وفي كل سنة منذ ذلك الوقت، يكون يوما 14 و 15 يومي فرح عظيم وعيد عند اليهود.
وفي كل سنة عند قراءة سفر أستير في عيد الفوريم، فإن جميع الشعب يطلقون أصوات الازدراء والاستهجان عند قراءة اسم هامان،ويهللون فرحا عند كل ذكر لاسم مردخاي. هذه شهادة لحقيقة أن ما يبدو أنه صدفة وحظ سعيد هو في الواقع عمل الله القدير. إن الله يستخدم خدامه الأمناء لتغيير أمور العالم.
في أيام السلام والرخاء لا نكون عادة مدركين لحضور الله. ولكن عندما يهددنا الاضطهاد ويتدخل الله بشكل رائع لحمايتنا وتشديدنا وإعالتنا فإننا نبصر يده فنقدم له الحمد والتمجيد.
لا يمكن لأحد أن ينال النصيب الأفضل من الله ما لم يدفع أولا الثمن. فعلى عكس أستير، كان على الشاب الغني أن يقدم تضحية أقل كثيرا (لوقا 18:18-30)، ومع أنه كان إنسانا صالحا، ربما كان تلميذا أو رسولا لأن يسوع أحبه قائلا: بع كل ما لك ... وتعال اتبعني ، إلا أنه لم يكن راغبا في تحمل المخاطرة. إن كثيرين اليوم لديهم نفس هذا التصميم على تحقيق أهدافهم في النجاح والأمان المادي والحصول على تقدير العالم بدلا من أن "يدفعوا الثمن" ويعيشوا لإرضاء المسيح.
إن سفر أستير سفر علماني في مجمله لأنه لا يرد فيه اسما لله. غير أن سيادة الله تتخلل جميع أصحاحاته. وهو يبين أنه حتى في المجتمعات العلمانية التي يحكمها ترف القصور الشرقية واستبداد الحكام وفراغ النظام الملكي وتآمر السياسيين وشقاء الناس المظلومين، حتى في البلاد البعيدة عن شعب العهد الإلهي، فإن السيادة تظل في يد إلهنا. حين قرب كلام الملك وأمره من الإجراء في اليوم الذي انتظر فيه أعداء اليهود أن يتسلطوا عليهم فتحول ذلك حتى أن اليهود تسلطوا على مبغضيهم (أستير 1:9).
إن السلام والفرح الذي تمتع به مردخاي وأستير لا يمكن أن يعرفه سوى الذين يخضعون أنفسهم لملك السلام والذي سيصنع سلاما فيكل الأرض ويعطي سرورا للناس (لوقا 14:2).
إعلان عن المسيح: من خلال ارتقاء مردخاي من مركز عبد إلى مركز الشرف والمجد (أستير 2:8،15). جاء المسيح إلى الأرض كالعبد، ولكن الله رفعه وأجلسه عن يمينه (فيلبي 7:2-9؛ مرقس 19:16).
أفكار من جهة الصلاة: ارفع إلى الله صلوات الحمد والشكر حتى في وقت الضيق (أعمال 22:16-25).
سفر أستير هو آخر الأسفار التاريخية الـ 17 في العهد القديم. وهو يتضمن ما يقرب من 12 سنة من تاريخ اليهود الذين ظلوا في بلاد فارس بعد انقضاء مدة السبي التي امتدت 70 سنة. ومعظم هؤلاء اليهود كانوا قد ولدوا في السبي وبالتالي لم يكن لهم ولاء لأورشليم. وعلى الأرجح أنهم لم يدركوا الأهمية النبوية للجنس اليهودي.
يرجح أن أحداث سفر أستير وقعت بعد حوالي 40 سنة من إعادة بناء الهيكل وقبل إعادة بناء أسوار أورشليم بما يقرب من 30 سنة. ومن المرجح جدا أن تكون أستير هي التي مهدت الطريق لنحميا ليصبح ساقي الملك وأتاحت له الفرصة ليعيد بناء أسوار أورشليم ويتمم عمله في أورشليم.
وعلى الرغم من أن اسم الله لا يرد في هذا السفر وكذلك أيضا كلمة "صلاة"، إلا أن الهدف من هذا السفر هو بيان سلطة الله غير المنظور وقدرته المطلقة على التحكم في حكام هذا العالم وتنفيذ مقاصده. إن الله لديه دائما الشخص الصحيح في المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح - وحتى إذا فشل كل البشر في عمل إرادته، فإنه يقدر أن يتكلم من خلال حمار كما حدث مع بلعام (عدد 28:22-31)، أو إذا لزم الأمر فإنه يقدر أن يجعل الحجارة تصرخ (لوقا 40:19) كما قال يسوع لناقديه، وإذا احتاج إلى عون فإن لديه تحت أمره أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة (متى 53:26). ولكن الله اختار أن يتمم إرادته من خلال خدامه المختارين - أولئك الذين يعترفون باعتمادهم الكامل عليه.
إن أحداث هذا السفر لم تحدث بالصدفة، لأننا نجد أن الصوم - والذي يتضمن أيضا الصلاة - يمثل جزءا هاما في إتمام خطة الله من خلال عبديه مردخاي وأستير (أستير 3:4-4،16-17).
إن الصلاة القوية مثل تلك التي رفعها مردخاي، الذي صرخ صرخة عظيمة مرة (أستير 1:4-3)، كانت دائما مصحوبة بالصوم كوسيلة للاقتراب أكثر من الرب والابتعاد أكثر عن شهوات العالم (قارن متى 21:17؛ مرقس 29:9).
تبين لنا أسفار عزرا ونحميا وأستير أنه لا توجد أوضاع مستعصية وأن الله يستطيع أن يسيطر على عمل العدو ويحقق إرادته بكل تفاصيلها من خلال شبعه.
اقرأ أستير 1 -- 3
عندما انتصر الفرس على الملك بيلشاصر وعلى المملكة البابلية، أطلق النداء إلى جميع اليهود بأن يرجعوا إلى أورشليم. ولكن معظمهم كانوا قد عاشوا في بابل لمدة 50-70 سنة ولم يروا أورشليم بالمرة حيث أنهم كانوا أبناء الذين أخذوا إلى بابل كسبايا. ومع أنهم قد أصبحوا الآن أحرارا من السلطة البابلية، إلا أن معظمهم كانوا يفضلون البقاء في مناخ الرخاء والصداقة في المملكة الفارسية بدلا من مغادرة بابل وتحمل المشقات الموجودة في أورشليم.
في السنة الثالثة من ملكه، جمع الملك أحشويروش جميع قادة المقاطعات الرئيسيين لديه لكي يشرح لهم خطته في الاستيلاء على اليونان. وبعد ذلك صنع لهم وليمة، وأثناء هذا اللقاء حدث سوء تفاهم بينه وبين الملكة وشتي فاستشاط الملك غضبا وعزلها من أن تكون ملكة (أستير 9:1-21).
ومرت أربع سنوات ثم عاد إلى قصره في شوشن وأمر بالبحث عن أجمل الفتيات في مملكته (أستير 1:2-4).
فأُخذت أستير، وهي فتاة يهودية يتيمة، إلى قصر الملك مع أخريات لتصبح إما ملكة أو إحدى السراري للحاكم المتسلط. وهكذا وجدت أستير نفسها في وضع ليس لها يد فيه. فلم يكن أمامها هي وعمها مردخاي سوى أن يثقا في الرب ويصوما من أجل التوجيه والحماية. والذي زاد الأمر تعقيدا أن الرجل المكلف بتنفيذ أمر الملك كان رجلا جبارا وقاسيا اسمه هامان (أستير 10:3،15؛ 10:6؛ 9:7)، وهو من نسل الملك أجاج الذي كان صموئيل قد قتله. كان هامان عماليقيا وكان يبغض جميع اليهود (خروج 14:17،16؛ 1 صموئيل 33:15).
أنت أيضا ربما تجد نفسك فريسة للظروف التي لا يد لك فيها. ربما تشعر أنك مقيد في مكانك وتتمنى أن تكون في مكان آخر به حرية أكثر حتى تقدر أن "تعمل شيئا للرب". إن مسئوليتنا هي أن نكون أمناء لكلمته - مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح ، ومقدمين أجسادنا كذبيحة حية مرضية عند الله (2 كورنثوس 5:10؛ رومية 1:12-2). فلا تشك أبدا في أن الله متحكم في أمورك وهو يعرف تماما أين أنت ولماذا أنت هناك ومتى ينبغي أن تتحرك.
إننا كمسيحيين نعيش نحن أيضا تحت سلطان العالم غير المؤمن والذي لا يكف عن طلب المزيد والمزيد من وقتنا وولائنا. وكمسيحيين علينا أن نعطي ما لقيصر لقيصر ولكن يجب أيضا أن نعطي ما لله لله (لوقا 25:20). فلا ينبغي أن ننحني أمام أمثال هامان في هذا العالم الذين يريدون أن يجردونا من ولائنا للمسيح (رومية 1:13). فعلى الرغم من أن أستير ومردخاي كانا يعيشان تحت سلطان مادي وفارس فلقد استخدما كل الطرق الشرعية للدفاع عن مصالح شعب الله. وعندما تظل أمينا للرب، مهما كانت الظروف، فاعلم أن الله يسمع الصلاة ويستجيبها. فلا داعي لأن تشك في أنه قد ضاع منك الاختيار الأفضل الذي قصده الله لك.
الذي فيه أيضا نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (أفسس 11:1).
إعلان عن المسيح: من خلال اسم أستير الذي يعني "كوكب". يسوع أيضا يسمى كوكب الصبح المنير (رؤيا 16:22).
أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب لأنك لن تحتاج أن تخاف. ثق بالرب يوما فيوما (متى 33:6-34).
اقرأ أستير 4 -- 7
بعد خمس سنوات منذ أن أصبحت أستير ملكة، حصل هامان على ترقية وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه (أستير 16:2-17؛ 1:3-7). وقد كان هامان غاضبا لأن مردخاي رفض أن يسجد أمامه ويعظمه. فوضع خطة لقتل مردخاي وكذلك أيضا جميع اليهود في المملكة. وهكذا صدر قانون بالإبادة العرقية لليهود كما خطط لها هامان، وألقيت القرعة لتحديد أفضل الأيام لتنفيذ هذه المؤامرة (أستير 7:3-13).
وعندما علم مردخاي بأمر هذا القانون، شق ثيابه ولبس مسحا برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مرة ... وفي كل كورة ... كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب (1:4-3).
ومع أن القرار الذي يصدره ملك فارس لا يمكن الرجوع فيه، فإن مردخاي كان واثقا تماما أن الرب سيجعل مخرجا لإبطال أمر هامان بقتل جميع اليهود. ولم يكتف مردخاي بالصوم والصلاة ولكنه أرسل إلى أستير رسالة عاجلة، وأوصاها بأن تدخل إلى الملك (أستير 8:4). ولكن أستير خافت وذكرته بالقانون الفارسي الذي يقول أن كل من يقترب إلى الملك بدون دعوة يكون معرضا للموت. فالمخاطرة كانت حقيقية. والذي جعل موقف أستير أكثر تعقيدا هو أنها لم تدع للدخول إلى الملك طوال 30 يوما. فلو كان الملك قد فقد اهتمامه بأستير، فهل يوجد أمل في أن تؤثر عليه من جهة ما سيصيب الجنس اليهودي؟ ولكن أستير اقتنعت بأن المخاطرة أن تفقد وضعها المرموق كملكة مثلما حدث من قبل مع وشتي أقل أهمية من وقوفها ضد خطة هامان الشرير الذي كان يسعى لإبادة اليهود!
وقد طلبت أستير من مردخاي أن يجمع جميع اليهود الموجودين في المدينة ليصوموا من أجلها ثلاثة أيام، قائلة: فإذا هلكت هلكت (أستير 16:4). عندئذ وقفت أستير في الفناء الداخلي للقصر الملكي منتظرة هل سيكون مصيرها الحياة أو الموت من الملك الذي كان يحكم الإمبراطورية الفارسية. وإذ سلمت نفسها إلى مراحم الله، أعدت وليمة لهامان وللملك (أستير 4:5) بغرض كشف الخطة الشريرة التي وضعها هامان.
ورضي الملك عن أستير فقبل دعوتها وليس ذلك فقط وإنما عرض عليها حتى نصف مملكته (أستير 7:5). وكان في إمكان أستير أن تغتنم الفرصة وتفوز بالجائزة على اعتبار أنها أثمن بكثير من أن تخاطر بفقدانها إذا ذكرت طلبتها للملك. ولكن إنقاذ حياة شعبها كان بالنسبة لها أهم من أي شيء آخر.
وبينما كانت أستير تعد الوليمة، كان هامان يعد مشنقة بارتفاع 75 قدم حتى يشاهد الجميع عملية شنق مردخاي (أستير 14:5). ثم في اليوم التالي، سأل الملك أستير من جهة طلبتها، وكانت صدمته كبيرة عندما علم أن طلبتها تختص بإنقاذ حياتها من الموت: إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك أيها الملك، وإذا حسن عند الملك فلتعط لي نفسي بسؤلي وشعبي بطلبتي. لأننا قد بعنا أنا وشعبي للهلاك والقتل والإبادة (أستير 3:7-4)!
وهكذا أُخذ هامان في الحال ليُشنق على نفس المشنقة التي كان قد أعدها لمردخاي - والتي أقامها هامان على أرضه هو شخصيا (أستير 9:7).
إن مثال أستير في الشجاعة وفي استعدادها لأن تضحي بكل شيء - حتى بحياتها إذا لزم الأمر - يجب أن يكون حافزا لنا لنتنازل عن كل ما لدينا من مواهب وشهرة وثروة قد باركنا الرب بها حتى نستخدمها من أجل توصيل كلمة الله إلى العالم الهالك.
فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها [أي يخلص حياته الأسمى الروحية في ملكوت الله الأبدي] (مرقس 35:.
إعلان عن المسيح: من خلال التكريم الذي تلقاه مردخاي بينما كانوا يسيرون أمامه في شوارع المدينة (أستير 10:6-11). لقد تلقى يسوع تكريما عظيما عند دخوله منتصرا إلى أورشليم (متى 8:21-9).
أفكار من جهة الصلاة: تشفع في الصلاة من أجل الآخرين بأسمائهم (لوقا 31:22-32).
اقرأ أستير 8 -- 10
كان منجمو هامان قد ألقوا قرعة لتحديد أنسب الأيام لقتل جميع اليهود (أستير 24:9). وتحدد "يوم الحظ" لهامان في اليوم الثالث عشر من الشهر الأخير. غير أن هامان لم يدرك أن الله متحكم في أمور الأرض وأن القرعة تلقى في الحضن ومن الرب كل حكمها (أمثال 33:16)، فحتى الأحداث التي تبدو صدفة هي مرتبة من عنده.
ومرة أخرى ثبت، كما هو دائما، أن تطرف الإنسان هو فرصة لله. فاليوم المحدد للإعدام، والذي عرف باسم "الفوريم" (نسبة إلى "الفور" أو القرعة)، أصبح في الواقع هو يوم النجاة. ويأتي الفوريم في اليوم الـ 14 والـ 15 من شهر آذار، وهو الشهر السابق لعيد الفصح. فأصبح اليوم الـ 13 يوم صوم تذكارا لأستير. يليه بعد ذلك احتفال عظيم. وفي كل سنة منذ ذلك الوقت، يكون يوما 14 و 15 يومي فرح عظيم وعيد عند اليهود.
وفي كل سنة عند قراءة سفر أستير في عيد الفوريم، فإن جميع الشعب يطلقون أصوات الازدراء والاستهجان عند قراءة اسم هامان،ويهللون فرحا عند كل ذكر لاسم مردخاي. هذه شهادة لحقيقة أن ما يبدو أنه صدفة وحظ سعيد هو في الواقع عمل الله القدير. إن الله يستخدم خدامه الأمناء لتغيير أمور العالم.
في أيام السلام والرخاء لا نكون عادة مدركين لحضور الله. ولكن عندما يهددنا الاضطهاد ويتدخل الله بشكل رائع لحمايتنا وتشديدنا وإعالتنا فإننا نبصر يده فنقدم له الحمد والتمجيد.
لا يمكن لأحد أن ينال النصيب الأفضل من الله ما لم يدفع أولا الثمن. فعلى عكس أستير، كان على الشاب الغني أن يقدم تضحية أقل كثيرا (لوقا 18:18-30)، ومع أنه كان إنسانا صالحا، ربما كان تلميذا أو رسولا لأن يسوع أحبه قائلا: بع كل ما لك ... وتعال اتبعني ، إلا أنه لم يكن راغبا في تحمل المخاطرة. إن كثيرين اليوم لديهم نفس هذا التصميم على تحقيق أهدافهم في النجاح والأمان المادي والحصول على تقدير العالم بدلا من أن "يدفعوا الثمن" ويعيشوا لإرضاء المسيح.
إن سفر أستير سفر علماني في مجمله لأنه لا يرد فيه اسما لله. غير أن سيادة الله تتخلل جميع أصحاحاته. وهو يبين أنه حتى في المجتمعات العلمانية التي يحكمها ترف القصور الشرقية واستبداد الحكام وفراغ النظام الملكي وتآمر السياسيين وشقاء الناس المظلومين، حتى في البلاد البعيدة عن شعب العهد الإلهي، فإن السيادة تظل في يد إلهنا. حين قرب كلام الملك وأمره من الإجراء في اليوم الذي انتظر فيه أعداء اليهود أن يتسلطوا عليهم فتحول ذلك حتى أن اليهود تسلطوا على مبغضيهم (أستير 1:9).
إن السلام والفرح الذي تمتع به مردخاي وأستير لا يمكن أن يعرفه سوى الذين يخضعون أنفسهم لملك السلام والذي سيصنع سلاما فيكل الأرض ويعطي سرورا للناس (لوقا 14:2).
إعلان عن المسيح: من خلال ارتقاء مردخاي من مركز عبد إلى مركز الشرف والمجد (أستير 2:8،15). جاء المسيح إلى الأرض كالعبد، ولكن الله رفعه وأجلسه عن يمينه (فيلبي 7:2-9؛ مرقس 19:16).
أفكار من جهة الصلاة: ارفع إلى الله صلوات الحمد والشكر حتى في وقت الضيق (أعمال 22:16-25).