مقدمة لسفر الجامعة
الكلمة اليونانية التي ترجمت إلى "الجامعة" تعني "الواعظ"، أو الشخص الذي يخاطب جمعا من الناس. ويشير الكاتب لنفسه بأنه ابن داود، الملك في أورشليم (جامعة 1:1)، ونقرأ: أنا الجامعة كنت ملكا على إسرائيل في أورشليم (جامعة 12:1). وقد ذكر سليمان 27 إنجازا أنجزه في حياته، قائلا: ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما (جامعة 10:2). وخلال هذه الفترة انتهك كلمة الله بإرادته إذ أكثر لنفسه الخيل والأموال والنساء وأقر بأنه لم يمنع قلبه من كل فرح (جامعة 10:2؛ تثنية 16:17-17). وبعد ذلك اعترف قائلا: ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح.. فكرهت الحياة لأنه رديء عندي العمل الذي عمل تحت الشمس لأن الكل باطل وقبض الريح (جامعة 11:2-17). وقد تكرر استخدام العبارة: الكل باطل - فالإنجازات، والملذات، والثروة - كانت مثل البخار عديمة الجدوى (جامعة 1:1-11).
لقد التفت سليمان إلى حياته فوجدها أسوأ مثال يحتذي به. وقد اعترف بأنه سلك بحسب الحكمة، ولكن بالانفصال عن الله؛ وبحسب العلم ولكن ليس بحسب كلمة الله. وهذا يعتبر انتهاكا مباشرا لمسئوليات الملك أمام الله (تثنية 17:17-20).
كانت موارد سليمان غير محدودة، إذ كانت له ثروة واسعة وسلطة عظيمة. ولكن بانتهاء ملكه الذي استمر 40 سنة، كانت الحكومة قد فسدت وكان الشعب على وشك الثورة إذ أرهقته الضرائب الباهظة.
وبعد أن عاش حياته هباء، اعترف سليمان بأنه من الغباء أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يحقق السعادة والشبع بمجهوداته الشخصية وقدراته ومهاراته وطموحاته - ولكن سعادة الإنسان الحقيقية تكمن في خضوعه لكلمة الله، وقد وصف نفسه بأنه ملك شيخ جاهل (جامعة 13:4).
وقد أدرك سليمان أن الخطاة أغبياء. ولكن لاحظ أن حتى المتدينين يدخلون إلى بيت الرب بغير وقار، ويتلون صلوات طويلة لا تنبع من القلب، وينذرون نذورا سرعان ما ينسونها (جامعة 1:5-7).
فاستنتج سليمان أنه مهما كثرت مواهب الإنسان وقدراته وإمكانياته والفرص المتاحة له وممتلكاته فإنها لا تعطيه الشبع الحقيقي لأن الإنسان دائما يريد المزيد (جامعة 10:5-20؛ 1:6-9). لأن جميع الأِشياء هي ملك لله ولا يمكن أن تجلب السعادة الحقيقية إلا إذا استخدمت لمجده وتكريمه - فليس للحياة سوى غرض واحد، وهو الاستعداد للأبدية - وسيأتي يوم فيه يصحح الرب جميع الأوضاع الخاطئة (جامعة 12:8-13؛ 14:12).
عندما قال سليمان: افرح أيها الشاب في حداثتك، وليسرك قلبك في أيام شبابك، واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك (جامعة 9:11)، فهو إنما كان يصف بالضبط ما فعله هو. وإذا اكتفينا بهذا الجزء من القول فإننا نظن أنه يشجع الشباب أن يضربوا بالحذر عرض الحائط وأن يجعلوا الهوى والمتعة غايتهم. ولكنه أضاف قائلا: واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة (جامعة 9:11؛ أيضا 6:8؛ 13:4).
إن الرسالة الأساسية لهذا السفر هي الدعوة لاكتشاف حكمة الإنسان الحقيقية التي تكمن في مخافة الرب. فاذكر خالقك في أيام شبابك [أنك لست ملك نفسك بل ملكه هو الآن] .. لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرا أو شرا (جامعة 1:12،14).
اقرأ جامعة 1 -- 4
كان سليمان واحدا من أعظم الملوك في زمنه - سواء من جهة القدرات أو الممتلكات. وكان بهاء مدينته وقصره يخلب أنظار العالم. وكان العالم مبهورا بحكمته، ولكنه قال عن ذلك: في كثرة الحكمة كثرة الغم والذي يزيد علما يزيد حزنا (جامعة 18:1).
من السهل أن نشعر بالغيرة من المشاريع المثيرة التي حققها سليمان: فعظمت عملي، بنيت لنفسي بيوتا، غرست لنفسي كروما ... جنات وفراديس ... أشجارا من كل نوع ثمر... برك مياه ... عبيدا وجواري ... بقر وغنم ... فضة وذهبا وخصوصيات الملوك ... مغنين ومغنيات ... سيدة وسيدات. فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم ... ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما ... ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس (جامعة 4:2-11). استطاع في وقتها أن يقول: قلبي فرح بكل تعبي (جامعة 10:2). استطاع حقا أن يقول: مهما اشتهته عيناي فعلته، لم أنكر على نفسي أي متعة. ولكنه كان متضايقا حقا عندما قال: فكرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس حيث أتركه للإنسان الذي يكون بعدي (جامعة 18:2). وبعد موته بلحظات، صار الجزء الأكبر من مملكته العظيمة تحت سيطرة أحد عبيده، وبعد زمن قصير كانت الثروة والبهاء التي ورثها ابنه قد وقعت في حوزة ملك مصر.
إن قصة سليمان تذكرنا بكثيرين ممن باركهم الرب بنجاح مادي وتركوا أغلب ثروتهم لأبنائه أو لمنظمات خيرية لا تضيف شيئا إلى ملكوت المسيح. هؤلاء، شأنهم شأن سليمان، قد تعلموا بعد فوات الأوان أن يفكروا بجدية في السؤال: أي منفعة لمن يتعب مما يتعب به (جامعة 9:3). لقد اضطر سليمان أن يجيب: "لا شيء". ومع أن سليمان كان مدركا تماما أن الله سيدين الصديق والشرير (جامعة 17:3)، فلقد فات الأوان للتخلص من نتائج طموحاته الأنانية. لقد بدأ سليمان ملكه بقلب منقسم. كان يحب الرب ولكن قلبه كان متجها أيضا إلى الأهداف المادية. ومع تطور كل من هذه المشروعات، أصبحت فلسفته أكثر تأثر بالمبادئ الإنسانية التي أخرجت الله تدريجيا من حياته.
يوجد فراغ داخل الإنسان لا يستطيع أي شيء وأي شخص آخر أن يملأه. وبلا جدوى يحاول الإنسان، وفي النهاية يموت. المال والشهرة والجنس والمخدرات - جميعها لا تقدر أن تملأ المكان المعد خصيصا لكي يملأه الله وحده. فلم يفكر الملك سليمان الطموح أن الله قد جعل الأبدية في قلبهم [أي وضع إحساسا بوجود غرض مستمر عبر العصور لا يستطيع أحد تحت الشمس أن يشبعه سوى الله وحده] التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية (جامعة 11:3).
لم يظهر نبي خلال حكم سليمان الذي امتد 40 عاما. فلقد كان يفكر بمنطق غير المؤمنين ذوي الاهتمامات العالمية. ولذلك فإننا نقرأ العديد من الآراء المشوهة مثل: من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق؟ (جامعة 21:3). هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. ولكن هذا كان أسلوبه في الحياة أثناء السنوات الأولى من ملكه إذ كان يبحث عن السعادة متجاهلا الله وكلمته. فمن ذا الذي يحب أن يفكر في يوم الدينونة أو الكنوز الأبدية إذا كان يعيش لمصالحه الذاتية؟
إن كل واحد منا يحتاج أن يواجه بجدية هذا السؤال: "ما هو الغرض والقيمة من وجودنا؟" - ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه [أي خسر حياته الأبدية في ملكوت الله]؟ (مرقس 36:.
إعلان عن المسيح: في جامعة 11:2 يقول: "ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس". هذا يذكرنا بما قاله المسيح: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" (متى 26:16).
أفكار من جهة الصلاة: افرح لأن مخلصنا حي (يوحنا 15:20-18).
اقرأ جامعة 5 -- 8
بحث سليمان عن السعادة بكل الطرق الممكنة، واستنتج في النهاية أن الكل باطل وقبض الريح (جامعة 4:4،16). وأثناء بحثه لاحظ أيضا أن ليس الأغنياء فقط وإنما أيضا الفقراء تسيطر عليهم الأباطيل. ثم تحول الجامعة [أي الواعظ] بعد ذلك من الحياة العالمية إلى الحياة الدينية، حيث يحول الناس أفكارهم من الأمور الزمنية إلى الأمور الروحية الأبدية، ويتفرغون لعبادة الخالق.
وقد لاحظ سليمان بإلهام من الروح القدس أن كثيرين يذهبون إلى بيت الرب بأذهان مشتتة ورياء؛ لذلك حذر قائلا: احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله. فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لأنهم لا يبالون بفعل الشر. لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله، لأن الله في السموات وأنت على الأرض فلذلك لتكن كلماتك قليلة (جامعة 1:5-2).
عندما نجتمع لكي نعبد الرب، يجب أن نحول أذهاننا عن الاهتمامات العالمية وعن مصادر القلق وأيضا عن الثرثرة الحمقاء.
وأحد المتطلبات الأخرى للعبادة الحقيقية هو الطاعة لكلمة الله: أي الاستماع [أو الاقتراب بهدف السماع والطاعة] (جامعة 1:5). مهم جدا أن نسمع ماذا يريد الرب أن يقوله لنا وأن تكون لدينا الرغبة أن نعرف ما يطلبه منا ثم بعد ذلك نلتزم بتنفيذه.
فالعبادة الحقيقية معناها أن يحل حضور الله المعجزي غير المنظور في وسط تلاميذه المجتمعين الذين التقوا مع بعضهم البعض بهدف عبادة رب الخليقة. والعبادة تبدأ بروح الخشوع - أي الإحساس بالضآلة البشرية - لأن الله في السموات وأنت على الأرض (جامعة 2:5). والعبادة لا تتجه إلى إرضاء الذات وإنما إلى إرضاء الرب، كما قال داود: هبوا الرب مجد اسمه [أي قدموا للرب المجد اللائق باسمه] (1 أخبار 29:16).
وكما أن الزوان [وهو نبات علفي] ينمو وسط الحنطة [أي القمح] كما في المثل الذي قاله الرب يسوع (متى 24:13-30)، فمن الممكن أيضا أن يكون في أي اجتماع للعبادة أشخاص ينطقون بالكلمات الصحيحة سواء في الترنيم أو الصلاة ويقدمون عطايا سخية، لكنهم أتوا بدوافع أخرى ولم يُخضعوا حياتهم بالكامل للرب. إن مثل هذه "العبادة" الطقسية الشكلية تسمى ذبيحة الجهال . وهي مهينة لله ومدمرة لصاحبها وذلك لأن الله لا يتغاضى عن عبادة الجهال، وإنما كما يقول سليمان: لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك؟ (جامعة 6:5).
إن بيت الله هو المكان الذي يجتمع فيه الرجال والنساء ليعبدوا الرب. قد يكون كاتدرائية فخمة، أو بيت أحد التلاميذ، أو سفح جبل، أو مغارة في باطن الأرض. فأماكن العبادة والبيئة المحيطة بها - سواء كانت طبيعية أو صناعية، بما في ذلك كل ما يروق للعين أو الأذن - هذه كلها قد تحرك المشاعر ولكنها لا تضيف شيئا للعبادة الحقيقية وليست لها أي قيمة روحية. قال يسوع: الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق (يوحنا 23:4).
ويحرضنا كاتب المزمور قائلا: ليقل مفديو الرب الذين فداهم من يد العدو .. (مزمور 2:107)؛ ثم يكرر ثلاث مرات: فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه [أي أعماله العجيبة] لبني آدم! (جامعة 8:107،15،21).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي ينتظر منا أن نفي بنذورنا (جامعة 4:5). "ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (متى 37:5).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب الجرأة لكي تخبر الآخرين عن المسيح (أعمال 29:4).
اقرأ جامعة 9 -- 12
بعد أن قضى سليمان عمره كله باحثا عن السعادة بكل الطرق الممكنة، توصل إلى هذا الاستنتاج والذي كرره أكثر من 30 مرة: باطل الأباطيل قال الجامعة، الكل باطل (جامعة 8:12).
وختم الجامعة رسالته بخلاصة المبادئ الأساسية للحكمة الحقيقية: اذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تأتي أيام الشر، أو تجيء السنون إذ تقول [عن المتع الجسدية] ليس لي فيها سرور ... فلنسمع ختام الأمر كله، اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله [أي هذا هو القصد الكامل والأصلي من خلقه، وأساس كل سعادة، والتوافق بين كل الظروف والأحوال المتناقضة تحت الشمس] (1:12،13).
كل شيء آخر في الحياة، كل الأهداف والطموحات والأولويات الأخرى لا تزيد عن كونها بخار وسراب وعدم. فالكل باطل ومزيف ووقتي، هكذا يقول الجامعة!
فلا جدوى إذن من طلب المال أو الأمان أو التطلع إلى أهداف أعلى وأعظم، لأن الكل باطل. ولا جدوى أيضا من اشتهاء شهوة الجسد [المتعة الحسية]، وشهوة العيون [طمع الذهن]، وتعظم المعيشة [اتكال الإنسان على موارده الشخصية أو على الأشياء الأرضية] (1 يوحنا 16:2).
فالعالم لا يستطيع أن يعطي شبعا - لأنه لا يملك أي بركة لها تأثير دائم. وإنما الشبع يأتي فقط عندما نتقى الله ونحفظ وصاياه (جامعة 13:12). وهذا يعني أكثر بكثير من مجرد حفظ الوصايا العشر، على افتراض أن هذا ممكن. وإنما يعني تقديم الحياة بأكملها - الوقت، والمواهب، والموارد - من أجل إتمام مقاصد الله. هذا هو المصدر الحقيقي للسعادة، وراحة البال، والمتعة الأصيلة حيث أن الصديقين والحكماء وأعمالهم في يد الله (جامعة 1:9).
وقد لاحظ أيضا الجامعة أن الإنسان لا يقدر أن يحكم إلا بالمظاهر، ولذلك فالأشرار أحيانا يتلقون مدحا من أجل أعمال حسنة معمولة أصلا بفضل شخص آخر، بينما الذين يعملون الخير كثيرا ما يساء فهمهم. ولكن الله سيُحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرا أو شرا (جامعة 14:12) - أي أن الله سيحكم على عمل كل واحد ليس بناء على مظهر الإنسان أو أقواله وإنما بناء على القيمة الفعلية الأبدية لأعماله. وبهذا التحذير العلني يختتم الجامعة سفره. ومن الواضح أن هذا أقصى ما نحتاجه في يومنا الحالي.
إن الله هو المصدر الحقيقي الوحيد لجميع البركات وهو مصدر الحياة نفسها، ولابد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا (2 كورنثوس 10:5).
إعلان عن المسيح: في القول: "لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة" (جامعة 14:12). "أحكامه حق وعادلة" (رؤيا 2:19).
أفكار من جهة الصلاة: أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة (أفسس 25:5).
الكلمة اليونانية التي ترجمت إلى "الجامعة" تعني "الواعظ"، أو الشخص الذي يخاطب جمعا من الناس. ويشير الكاتب لنفسه بأنه ابن داود، الملك في أورشليم (جامعة 1:1)، ونقرأ: أنا الجامعة كنت ملكا على إسرائيل في أورشليم (جامعة 12:1). وقد ذكر سليمان 27 إنجازا أنجزه في حياته، قائلا: ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما (جامعة 10:2). وخلال هذه الفترة انتهك كلمة الله بإرادته إذ أكثر لنفسه الخيل والأموال والنساء وأقر بأنه لم يمنع قلبه من كل فرح (جامعة 10:2؛ تثنية 16:17-17). وبعد ذلك اعترف قائلا: ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح.. فكرهت الحياة لأنه رديء عندي العمل الذي عمل تحت الشمس لأن الكل باطل وقبض الريح (جامعة 11:2-17). وقد تكرر استخدام العبارة: الكل باطل - فالإنجازات، والملذات، والثروة - كانت مثل البخار عديمة الجدوى (جامعة 1:1-11).
لقد التفت سليمان إلى حياته فوجدها أسوأ مثال يحتذي به. وقد اعترف بأنه سلك بحسب الحكمة، ولكن بالانفصال عن الله؛ وبحسب العلم ولكن ليس بحسب كلمة الله. وهذا يعتبر انتهاكا مباشرا لمسئوليات الملك أمام الله (تثنية 17:17-20).
كانت موارد سليمان غير محدودة، إذ كانت له ثروة واسعة وسلطة عظيمة. ولكن بانتهاء ملكه الذي استمر 40 سنة، كانت الحكومة قد فسدت وكان الشعب على وشك الثورة إذ أرهقته الضرائب الباهظة.
وبعد أن عاش حياته هباء، اعترف سليمان بأنه من الغباء أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يحقق السعادة والشبع بمجهوداته الشخصية وقدراته ومهاراته وطموحاته - ولكن سعادة الإنسان الحقيقية تكمن في خضوعه لكلمة الله، وقد وصف نفسه بأنه ملك شيخ جاهل (جامعة 13:4).
وقد أدرك سليمان أن الخطاة أغبياء. ولكن لاحظ أن حتى المتدينين يدخلون إلى بيت الرب بغير وقار، ويتلون صلوات طويلة لا تنبع من القلب، وينذرون نذورا سرعان ما ينسونها (جامعة 1:5-7).
فاستنتج سليمان أنه مهما كثرت مواهب الإنسان وقدراته وإمكانياته والفرص المتاحة له وممتلكاته فإنها لا تعطيه الشبع الحقيقي لأن الإنسان دائما يريد المزيد (جامعة 10:5-20؛ 1:6-9). لأن جميع الأِشياء هي ملك لله ولا يمكن أن تجلب السعادة الحقيقية إلا إذا استخدمت لمجده وتكريمه - فليس للحياة سوى غرض واحد، وهو الاستعداد للأبدية - وسيأتي يوم فيه يصحح الرب جميع الأوضاع الخاطئة (جامعة 12:8-13؛ 14:12).
عندما قال سليمان: افرح أيها الشاب في حداثتك، وليسرك قلبك في أيام شبابك، واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك (جامعة 9:11)، فهو إنما كان يصف بالضبط ما فعله هو. وإذا اكتفينا بهذا الجزء من القول فإننا نظن أنه يشجع الشباب أن يضربوا بالحذر عرض الحائط وأن يجعلوا الهوى والمتعة غايتهم. ولكنه أضاف قائلا: واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة (جامعة 9:11؛ أيضا 6:8؛ 13:4).
إن الرسالة الأساسية لهذا السفر هي الدعوة لاكتشاف حكمة الإنسان الحقيقية التي تكمن في مخافة الرب. فاذكر خالقك في أيام شبابك [أنك لست ملك نفسك بل ملكه هو الآن] .. لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرا أو شرا (جامعة 1:12،14).
اقرأ جامعة 1 -- 4
كان سليمان واحدا من أعظم الملوك في زمنه - سواء من جهة القدرات أو الممتلكات. وكان بهاء مدينته وقصره يخلب أنظار العالم. وكان العالم مبهورا بحكمته، ولكنه قال عن ذلك: في كثرة الحكمة كثرة الغم والذي يزيد علما يزيد حزنا (جامعة 18:1).
من السهل أن نشعر بالغيرة من المشاريع المثيرة التي حققها سليمان: فعظمت عملي، بنيت لنفسي بيوتا، غرست لنفسي كروما ... جنات وفراديس ... أشجارا من كل نوع ثمر... برك مياه ... عبيدا وجواري ... بقر وغنم ... فضة وذهبا وخصوصيات الملوك ... مغنين ومغنيات ... سيدة وسيدات. فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم ... ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما ... ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس (جامعة 4:2-11). استطاع في وقتها أن يقول: قلبي فرح بكل تعبي (جامعة 10:2). استطاع حقا أن يقول: مهما اشتهته عيناي فعلته، لم أنكر على نفسي أي متعة. ولكنه كان متضايقا حقا عندما قال: فكرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس حيث أتركه للإنسان الذي يكون بعدي (جامعة 18:2). وبعد موته بلحظات، صار الجزء الأكبر من مملكته العظيمة تحت سيطرة أحد عبيده، وبعد زمن قصير كانت الثروة والبهاء التي ورثها ابنه قد وقعت في حوزة ملك مصر.
إن قصة سليمان تذكرنا بكثيرين ممن باركهم الرب بنجاح مادي وتركوا أغلب ثروتهم لأبنائه أو لمنظمات خيرية لا تضيف شيئا إلى ملكوت المسيح. هؤلاء، شأنهم شأن سليمان، قد تعلموا بعد فوات الأوان أن يفكروا بجدية في السؤال: أي منفعة لمن يتعب مما يتعب به (جامعة 9:3). لقد اضطر سليمان أن يجيب: "لا شيء". ومع أن سليمان كان مدركا تماما أن الله سيدين الصديق والشرير (جامعة 17:3)، فلقد فات الأوان للتخلص من نتائج طموحاته الأنانية. لقد بدأ سليمان ملكه بقلب منقسم. كان يحب الرب ولكن قلبه كان متجها أيضا إلى الأهداف المادية. ومع تطور كل من هذه المشروعات، أصبحت فلسفته أكثر تأثر بالمبادئ الإنسانية التي أخرجت الله تدريجيا من حياته.
يوجد فراغ داخل الإنسان لا يستطيع أي شيء وأي شخص آخر أن يملأه. وبلا جدوى يحاول الإنسان، وفي النهاية يموت. المال والشهرة والجنس والمخدرات - جميعها لا تقدر أن تملأ المكان المعد خصيصا لكي يملأه الله وحده. فلم يفكر الملك سليمان الطموح أن الله قد جعل الأبدية في قلبهم [أي وضع إحساسا بوجود غرض مستمر عبر العصور لا يستطيع أحد تحت الشمس أن يشبعه سوى الله وحده] التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية (جامعة 11:3).
لم يظهر نبي خلال حكم سليمان الذي امتد 40 عاما. فلقد كان يفكر بمنطق غير المؤمنين ذوي الاهتمامات العالمية. ولذلك فإننا نقرأ العديد من الآراء المشوهة مثل: من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق؟ (جامعة 21:3). هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. ولكن هذا كان أسلوبه في الحياة أثناء السنوات الأولى من ملكه إذ كان يبحث عن السعادة متجاهلا الله وكلمته. فمن ذا الذي يحب أن يفكر في يوم الدينونة أو الكنوز الأبدية إذا كان يعيش لمصالحه الذاتية؟
إن كل واحد منا يحتاج أن يواجه بجدية هذا السؤال: "ما هو الغرض والقيمة من وجودنا؟" - ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه [أي خسر حياته الأبدية في ملكوت الله]؟ (مرقس 36:.
إعلان عن المسيح: في جامعة 11:2 يقول: "ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس". هذا يذكرنا بما قاله المسيح: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" (متى 26:16).
أفكار من جهة الصلاة: افرح لأن مخلصنا حي (يوحنا 15:20-18).
اقرأ جامعة 5 -- 8
بحث سليمان عن السعادة بكل الطرق الممكنة، واستنتج في النهاية أن الكل باطل وقبض الريح (جامعة 4:4،16). وأثناء بحثه لاحظ أيضا أن ليس الأغنياء فقط وإنما أيضا الفقراء تسيطر عليهم الأباطيل. ثم تحول الجامعة [أي الواعظ] بعد ذلك من الحياة العالمية إلى الحياة الدينية، حيث يحول الناس أفكارهم من الأمور الزمنية إلى الأمور الروحية الأبدية، ويتفرغون لعبادة الخالق.
وقد لاحظ سليمان بإلهام من الروح القدس أن كثيرين يذهبون إلى بيت الرب بأذهان مشتتة ورياء؛ لذلك حذر قائلا: احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله. فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لأنهم لا يبالون بفعل الشر. لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله، لأن الله في السموات وأنت على الأرض فلذلك لتكن كلماتك قليلة (جامعة 1:5-2).
عندما نجتمع لكي نعبد الرب، يجب أن نحول أذهاننا عن الاهتمامات العالمية وعن مصادر القلق وأيضا عن الثرثرة الحمقاء.
وأحد المتطلبات الأخرى للعبادة الحقيقية هو الطاعة لكلمة الله: أي الاستماع [أو الاقتراب بهدف السماع والطاعة] (جامعة 1:5). مهم جدا أن نسمع ماذا يريد الرب أن يقوله لنا وأن تكون لدينا الرغبة أن نعرف ما يطلبه منا ثم بعد ذلك نلتزم بتنفيذه.
فالعبادة الحقيقية معناها أن يحل حضور الله المعجزي غير المنظور في وسط تلاميذه المجتمعين الذين التقوا مع بعضهم البعض بهدف عبادة رب الخليقة. والعبادة تبدأ بروح الخشوع - أي الإحساس بالضآلة البشرية - لأن الله في السموات وأنت على الأرض (جامعة 2:5). والعبادة لا تتجه إلى إرضاء الذات وإنما إلى إرضاء الرب، كما قال داود: هبوا الرب مجد اسمه [أي قدموا للرب المجد اللائق باسمه] (1 أخبار 29:16).
وكما أن الزوان [وهو نبات علفي] ينمو وسط الحنطة [أي القمح] كما في المثل الذي قاله الرب يسوع (متى 24:13-30)، فمن الممكن أيضا أن يكون في أي اجتماع للعبادة أشخاص ينطقون بالكلمات الصحيحة سواء في الترنيم أو الصلاة ويقدمون عطايا سخية، لكنهم أتوا بدوافع أخرى ولم يُخضعوا حياتهم بالكامل للرب. إن مثل هذه "العبادة" الطقسية الشكلية تسمى ذبيحة الجهال . وهي مهينة لله ومدمرة لصاحبها وذلك لأن الله لا يتغاضى عن عبادة الجهال، وإنما كما يقول سليمان: لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك؟ (جامعة 6:5).
إن بيت الله هو المكان الذي يجتمع فيه الرجال والنساء ليعبدوا الرب. قد يكون كاتدرائية فخمة، أو بيت أحد التلاميذ، أو سفح جبل، أو مغارة في باطن الأرض. فأماكن العبادة والبيئة المحيطة بها - سواء كانت طبيعية أو صناعية، بما في ذلك كل ما يروق للعين أو الأذن - هذه كلها قد تحرك المشاعر ولكنها لا تضيف شيئا للعبادة الحقيقية وليست لها أي قيمة روحية. قال يسوع: الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق (يوحنا 23:4).
ويحرضنا كاتب المزمور قائلا: ليقل مفديو الرب الذين فداهم من يد العدو .. (مزمور 2:107)؛ ثم يكرر ثلاث مرات: فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه [أي أعماله العجيبة] لبني آدم! (جامعة 8:107،15،21).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي ينتظر منا أن نفي بنذورنا (جامعة 4:5). "ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (متى 37:5).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب الجرأة لكي تخبر الآخرين عن المسيح (أعمال 29:4).
اقرأ جامعة 9 -- 12
بعد أن قضى سليمان عمره كله باحثا عن السعادة بكل الطرق الممكنة، توصل إلى هذا الاستنتاج والذي كرره أكثر من 30 مرة: باطل الأباطيل قال الجامعة، الكل باطل (جامعة 8:12).
وختم الجامعة رسالته بخلاصة المبادئ الأساسية للحكمة الحقيقية: اذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تأتي أيام الشر، أو تجيء السنون إذ تقول [عن المتع الجسدية] ليس لي فيها سرور ... فلنسمع ختام الأمر كله، اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله [أي هذا هو القصد الكامل والأصلي من خلقه، وأساس كل سعادة، والتوافق بين كل الظروف والأحوال المتناقضة تحت الشمس] (1:12،13).
كل شيء آخر في الحياة، كل الأهداف والطموحات والأولويات الأخرى لا تزيد عن كونها بخار وسراب وعدم. فالكل باطل ومزيف ووقتي، هكذا يقول الجامعة!
فلا جدوى إذن من طلب المال أو الأمان أو التطلع إلى أهداف أعلى وأعظم، لأن الكل باطل. ولا جدوى أيضا من اشتهاء شهوة الجسد [المتعة الحسية]، وشهوة العيون [طمع الذهن]، وتعظم المعيشة [اتكال الإنسان على موارده الشخصية أو على الأشياء الأرضية] (1 يوحنا 16:2).
فالعالم لا يستطيع أن يعطي شبعا - لأنه لا يملك أي بركة لها تأثير دائم. وإنما الشبع يأتي فقط عندما نتقى الله ونحفظ وصاياه (جامعة 13:12). وهذا يعني أكثر بكثير من مجرد حفظ الوصايا العشر، على افتراض أن هذا ممكن. وإنما يعني تقديم الحياة بأكملها - الوقت، والمواهب، والموارد - من أجل إتمام مقاصد الله. هذا هو المصدر الحقيقي للسعادة، وراحة البال، والمتعة الأصيلة حيث أن الصديقين والحكماء وأعمالهم في يد الله (جامعة 1:9).
وقد لاحظ أيضا الجامعة أن الإنسان لا يقدر أن يحكم إلا بالمظاهر، ولذلك فالأشرار أحيانا يتلقون مدحا من أجل أعمال حسنة معمولة أصلا بفضل شخص آخر، بينما الذين يعملون الخير كثيرا ما يساء فهمهم. ولكن الله سيُحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرا أو شرا (جامعة 14:12) - أي أن الله سيحكم على عمل كل واحد ليس بناء على مظهر الإنسان أو أقواله وإنما بناء على القيمة الفعلية الأبدية لأعماله. وبهذا التحذير العلني يختتم الجامعة سفره. ومن الواضح أن هذا أقصى ما نحتاجه في يومنا الحالي.
إن الله هو المصدر الحقيقي الوحيد لجميع البركات وهو مصدر الحياة نفسها، ولابد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا (2 كورنثوس 10:5).
إعلان عن المسيح: في القول: "لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة" (جامعة 14:12). "أحكامه حق وعادلة" (رؤيا 2:19).
أفكار من جهة الصلاة: أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة (أفسس 25:5).